الضم بوسائل أخرى
1 ديسمبر 2025
يونس السيد
خلافاً لما تعهد به الرئيس ترامب بعدم ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل لإنجاح خطته للسلام، فإن ما يجري على أرض الواقع، هو عملية ضم فعلية ممنهجة ومنسقة تنفذها السلطة السياسية من دون إعلان رسمي عبر كل أدواتها المتاحة من جيش ومستوطنين وأوامر عسكرية وقضائية.
وبعيداً عن قرارات الشرعية الدولية والرفض الدولي، تمضي إسرائيل في مخططاتها لابتلاع الضفة الغربية عبر الاستيطان الزاحف والقضم التدريجي، في ظل عدم وجود أي رادع داخلي أو خارجي يكبح جماحها. إذ إن الجهة الوحيدة القادرة على لجم إسرائيل هي الولايات المتحدة، وهي لا تفعل ذلك، لأسباب كثيرة، منها أن واشنطن لا توظف عوامل الضغط على إسرائيل إلا لانتزاع تنازلات لصالحها بالمقابل، تماماً كما تفعل في قطاع غزة عندما تبرر الخروقات الإسرائيلية وتحمّل الفلسطينيين مسؤولية قتل أنفسهم، وتدافع في نفس الوقت عن ثبات «خطة غزة» وصمود وقف إطلاق النار.
وبينما تجتاح إسرائيل شمال الضفة الغربية، من دون أن تجد لنفسها عذراً أو سبباً لتبريره، تلتزم الإدارة الأمريكية الصمت، ولا تكلف نفسها عناء إدانة إعدام شابين فلسطينيين من المسافة صفر بعدما سلما نفسيهما لجنود الاحتلال رغم الإدانة الأممية والدولية الواسعة. ربما يكمن السبب في تمكين إسرائيل من الالتفاف على التعهدات الأمريكية وإطلاق يدها جيشاً ومستوطنين في السيطرة على كل أراضي الضفة الغربية، وفرض أمر واقع جديد، يمنع قيام دولة فلسطينية مستقبلاً.
وبالتالي، ينجلي المشهد، في نهاية المطاف، عن سيطرة استيطانية على مزيد من الأرض، ووضع التجمعات الفلسطينية في معازل عبر فصل المدن والقرى عن بعضها البعض، بانتظار الوقت المناسب لتنفيذ خطط الترانسفير والتهجير المعدة مسبقاً.
بهذا المعنى، فإن ما يحدث الآن في الضفة الغربية هو استباحة مطلقة من جيش الاحتلال ومستوطنيه للأرض والشجر والحجر وعمليات قتل يومية للفلسطينيين تحت سمع العالم وبصره بلا حسيب ولا رقيب. وهو يأتي استجابة لضغوط اليمين الإسرائيلي المتطرف في سنة انتخابية باتت على الأبواب، وهي مشبعة بالابتزاز إلى الحد الذي يمنع أي محاسبة للجنود وميليشيات المستوطنين، أياً تكن ممارساتهم الإجرامية.
وهو ما يفسر كلام وزير الجيش يسرائيل كاتس الذي يصف الاعتداءات الهمجية للمستوطنين بأنها مجرد «إخلال بالنظام» وليست إرهاباً. وفي النهاية ما لم يستطع جيش الاحتلال ومستوطنوه تحقيقه بالقوة، تنوب عنه التشريعات في الكنيست التي تمنح المستوطنين «حق التملك» في الضفة الغربية، والأوامر العسكرية بمصادرة الأراضي تحت مختلف الحجج والذرائع، واستكمالها بعشرات الأوامر القضائية التي «تشرعن» المستوطنات الجديدة وتوفر لها الخدمات والبنى التحتية، وصولاً إلى الهدف النهائي وهو تضييق الخناق على الفلسطينيين، وتحويل حياتهم إلى جحيم، وفرض التهجير القسري عليهم، تمهيداً لإعلان دولة المستوطنين وتحقيق ضم الضفة الغربية بوسائل أخرى.