هل يصبح لبنان ضحية لصراع الإرادات الإيرانية الإسرائيلية؟
د. مثنى عبدالله
02/12/2025
alquds
تتزايد المخاوف من اشتعال الجبهة بين لبنان وإسرائيل مُجددا. وتتجسد هذه المخاوف بمزيد من التطورات، من بينها الغارات الإسرائيلية المستمرة على مواقع في جنوب لبنان. كما تُهدد إسرائيل بالقول، إن المُهلة الممنوحة للدبلوماسية الهادفة الى نزع سلاح حزب الله، سوف تنتهي بنهاية العام الجاري. وقد أقرت الحكومة اللبنانية في 5 أغسطس/ آب من العام الجاري قرارا، بحصر السلاح بما فيه سلاح حزب الله بيد الدولة، وتم تكليف الجيش بوضع خطة بهذا الخصوص وتنفيذها قبل نهاية العام الحالي.
يبدو أن حزب الله ما زال مُصرا على عدم تسليم سلاحه للدولة اللبنانية. جاء ذلك على لسان أمين عام الحزب نعيم قاسم في أكثر من مناسبة، من أن الحزب يرفض ذلك، ويشترط انسحاب الجيش الإسرائيلي أولا من الأراضي اللبنانية كافة. في حين قال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام مؤخرا، (إن هذا السلاح لم يحمِ لا قادة الحزب ولا اللبنانيين وممتلكاتهم، والدليل على ذلك عشرات القرى الممسوحة)، بل يضيف إلى ذلك بالقول (إن هذا السلاح لا ردعَ ولا حمى ولا نصرَ غزة). وفي إطار هذا السجال اللبناني ـ اللبناني يأتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني ليقول، (إن حزب الله بات للبنان أهم من الخبز اليومي والماء).
إن انتهاء مُهلة نزع سلاح حزب الله، من دون فعل ذلك على أرض الواقع، يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستطلق يد إسرائيل ضد لبنان
في ضوء هذه المواقف المتناقضة، يبدو جليا أن اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي تم توقيعه في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع حتى الساعة، فقيادات حزب الله يجادلون بالقول، إنهم التزموا بوقف الأعمال الحربية، إلا أن إسرائيل ما زالت تخرق الاتفاق يوميا. وهم يستشهدون بالتقارير الصادرة عن اليونيفيل ووزارة الدفاع اللبنانية، التي تؤكد حصول أكثر من 10000 خرق بحري وبري وجوي. كما أن إسرائيل قامت ببناء جدار عازل ما بين الحدود الجنوبية للبنان وإسرائيل، وقضمت جزءا من الأراضي اللبنانية، ويضيفون إلى ذلك، أن الجيش اللبناني أصدر تقريرا قال فيه، إن حوالي 90% من جنوب نهر الليطاني أصبحت تحت سيطرته، وأن 9000 جندي لبناني، ملتزمون التزاما كاملا بكل المناطق جنوب الليطاني، واستلموا من الحزب الكثير من المخابئ ومخازن الأسلحة، وأن قوات اليونيفيل قالوا، إنهم لم يلمسوا منذ عام ولغاية اليوم أي تحرك عسكري أو أمني لحزب الله في منطقة جنوب الليطاني، التي كانت أحد معاقل حزب الله.
أما على الطرف الآخر، فهنالك من يُفنّد ما يقوله الحزب بالقول، نعم لم يتحقق شيء من اتفاق وقف الأعمال الحربية بين لبنان وإسرائيل الموقّع قبل عام، والسبب في ذلك هو حزب الله، وليس أي طرف آخر، لأن ما جرى بعد اتفاق وقف إطلاق النار هو انتخاب رئيس للجمهورية، الذي أكد في خطاب القسم حصر السلاح بيد الدولة. كما أكدت على ذلك الحكومة في البيان الوزاري عندما تشكّلت، ثم أمرت الجيش اللبناني بالبدء بجمع السلاح، لكن المشكلة أن حزب الله حتى اللحظة يُراوغ ويناور ويحاول شراء الوقت، ولا يتجاوب مع الجيش بما فيه الكفاية، كما يضيفون إلى ذلك قائلين، إن إسرائيل الطامعة بأرض لبنان تبحث عن ذريعة تراها عند حزب الله، فعندما يتبجح الحزب على لسان كل قادته بمن فيهم أمينه العام، من أنه أعاد ترميم قدراته العسكرية، فمعنى ذلك أنه يعطي ذريعة لإسرائيل. في حين أنه منذ عام عندما حصل اتفاق وقف الأعمال الحربية والعودة إلى قرار 1701 برعاية أمريكية، كانت الخطة تقول، إن إسرائيل لديها الحق بالتدخل عندما ترى أن حزب الله يعيد ترميم قدراته.
في ضوء هذا الجدل اللبناني ـ اللبناني، وصراع الإرادتين الإيرانية والإسرائيلية على الساحة اللبنانية، لا بد من فهم طبيعة الموقف الأمريكي الراعي لوقف الأعمال الحربية بين لبنان وإسرائيل، فالهدنة بين الطرفين توسطت فيها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وسلام بايدن يختلف عن ما يفكر فيه الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. فما تسعى إليه الإدارة الأمريكية الحالية هو ازدهار التعاون، حسب قول المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان توم برّاك، أي لا حديث عن أغصان الزيتون والحمائم، بل عن ضخ أموال خليجية زائدا الدراية في مجال التكنولوجيا، كي يستغلها الذكاء اللبناني في التجارة والأعمال. وهذه هي الوصفة الأمريكية نحو شرق أوسط مزدهر. لكنهم يقولون لا يمكن البدء بضخ 11 مليار دولار، حسب تقديرات الأمم المتحدة، لإعادة الإعمار في البلد، إلى حين نزع سلاح حزب الله، الذي يقول لا ننزع سلاحنا قبل الانسحاب الإسرائيلي. وعليه فإن الولايات المتحدة داعمة لإسرائيل في قصفها للبنان، وإنهم يؤمنون بما يسمونه تكنيكات القوة في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك رأينا مؤخرا ازديادا في وتيرة القصف الإسرائيلي، الذي استهدف قيادات حزب الله، بالتالي إسرائيل تدفع قُدما بهذا الحل العسكري، ويمكن للولايات المتحدة أن تأخذ هذه الإجراءات العسكرية وتحولها إلى مسار دبلوماسي بهدف الانتقال إلى المرحلة الثانية، بعد أن أنجزوا المرحلة الأولى في كل من قطاع غزة ولبنان، حسب قولهم.
إن انتهاء مُهلة نزع سلاح حزب الله، من دون فعل ذلك على أرض الواقع، يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستطلق يد إسرائيل ضد لبنان، وقد أظهرت الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل أن ترامب يأخذ المُهل الزمنية على محمل الجد. فعندما يقول، إن المهلة أمام لبنان لنزع سلاح حزب الله هي 31 ديسمبر/ كانون الأول فهو يعنيها. وعليه فإن المؤشرات المتوفرة تقول، إن إسرائيل بصدد التصعيد، حيث عمدت مؤخرا إلى نشر أسلحة دفاعية جديدة موجهة بالليزر، ضد الصواريخ التي قد تأتي من لبنان وهي إشارة خطيرة. من جهة أخرى يهم ترامب الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لأنه يسعى إلى تحقيق الثروة هناك والازدهار الاقتصادي|، حسب قوله. بالتالي ليس ما يهمه أن يشهد تصعيدا إقليميا عالي السقف، وعليه هل يستغل عصب هذه اللحظة بهدف تفادي هذا التهديد العسكري والتحول به إلى مسار دبلوماسي؟
القيادة اللبنانية أعلنت مؤخرا، أنها مستعدة للتفاوض المباشر مع إسرائيل، وهذا تطور إيجابي، حسب النظرة في واشنطن وتل أبيب، لكن التطور السلبي في هذا الاتجاه المُقلق لواشنطن هو، أن الكثير من الضغوط الدبلوماسية تتركز تحديدا على الملف الروسي الأوكراني حاليا، وأن الرئيس وإدارته والمسؤولين رفيعي المستوى، يُركزّون على الملف الأوكراني، فهل يمكن لهم أن يُركزوا على الملف اللبناني قبل أن يذهب لبنان ضحية؟ لا أحد قادرا على الإجابة على هذا السؤال.
كاتب عراقي